رسالة سماحة أمير المؤمنين شيخ القرآن والحديث المولوي هبة الله آخندزاده -حفظه الله تعالى- بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك!
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
اللّه أكبر، اللّه أكبر، لا إله إلا اللّه، واللّه أكبر، اللّه أكبر ولله الحمد.
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
قال الله تبارك وتعالى:
﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 162]
وقال تعالى:
﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ… وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [البقرة: 196]
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ” ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ وسَمّى وَكَبّرُ. قال: رَأَيْتُهُ وَاضِعًا قَدَمَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا وَيَقُولُ: بسم ﷲ وﷲ أکبر” [متفق عليه].
خلاصة القول أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحّى بكبشين أملحين أقرنين، ذبحهما بيده، وسمّى وكبّر، ووضع رجله الشريفة على صفاحهما.
وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله ﷺ قال: «مَا عَمِلَ آدَمِىٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ، إِنَّهَا لَتَأْتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلاَفِهَا وَإِنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللَّهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مِنَ الأَرْضِ، فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا» [مشكاة المصابيح].
إلى جميع الإخوة المؤمنين المجاهدين الأفغان والمسلمون!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
قبل كل شيء أهنئكم جميعاً بعيد الأضحى المبارك، أسأل الله تعالى أن يتقبل عباداتكم، وأضحياتكم، وحجكم، وصدقاتكم، وسائر أعمالكم الصالحة.
نحتفل بأيام النحر والعبادات هذا العام في ظل نظام شرعي وأمن شامل، وذلك بفضل الله ونصره، ثم ببركة تضحيات الشهداء والجرحى والمصابين، ودعوات المسلمين. فيجب علينا جميعاً أن نشكر الله تعالى على ذلك.
إخوتي الكرام! مسؤوليتنا المشتركة الآن أن نستغل الوضع الراهن، وأن نبذل مزيداً من الجهود من أجل تقوية النظام الشرعي ونجاحه. وأن نقوم بتعزيز وحدتنا، وأن يتنبه كل مسؤول لمسؤوليته دون غفلة، وأن يؤدي أعماله في حينها وبتنسيق مع الآخرين، دون تدخل في شؤون الخير، وأن يسعى كلٌ إلى تطبيق الشريعة على نفسه أولاً ثم على الآخرين.
إن العلماء في المجتمع تقع على عاتقهم أكبر مسئولية، قال الله تعالى في حقهم: ﴿وَإِذۡ أَخَذَ اللّٰہُ مِیۡثَاقَ الَّذِیۡنَ اُوۡتُوا الۡکِتٰبَ لَتُبَیِّنُنَّہٗ لِلنَّاسِ وَ لَا تَکۡتُمُوۡنَہٗ ۫ فَنَبَذُوۡہُ وَرَآءَ ظُہُوۡرِهِمۡ وَ اشۡتَرَوۡا بِہٖ ثَمَنًا قَلِیۡلًا ؕ فَبِئۡسَ مَا یَشۡتَرُوۡنَ﴾ [آل عمران: 187]
ذكر أهل العلم في تفسير هذه الآية أن الله تعالى أخذ العهد والميثاق من علماء أهل الكتاب ببيان أحكام كتاب الله وما جاء فيه من بشارات للناس من دون كتمان شيء او بتديله أو تحريفه، لكنهم لن يذعنوا لهذه الأوامر ونقضوا جميع هذه العهود والمواثيق مقابل ثمن بخس، وبدلوا الأحكام الشرعية، وحرفوا ألفاظ ومعاني أيات الله عز وجل، وكتموا بشارة النبي صلى الله عليه وسم التي كانت من أهم الأمور التي يجب بيانها، وجمعوا بين البخل في إنفاق المال والبخل في نشر العلم، وأصل هذا البخل إنما كان بسبب بحبهم للمال والمتاع والمناصب الدنيوية. وهنا تنبيه لعلماء هذه الأمة بالحذر من الإنغماس في لذات الدنيا، وبيان الحق في كل زمان ومكان، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعدم كتمان الأحكام الشرعية عن الناس. ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: “مَن كتمَ علمًا ألجمَهُ اللَّهُ يومَ القيامةِ بلجامٍ من نارٍ”.
كما أن الوجهاء وزعماء القبائل مسئولون بتطبيق أحكام الله الشرعية في المجتمع باستقامتهم وصلاحهم، وإيصال الحقوق لأصحابها، ووضع الأمور في مواضعها، وتحقيق العدالة؛ لإنهم إن زاغوا عن الدين فسينهار هذه النظام الشرعي برمته ويختل الأمن بأكمله.
سألت امرأة تدعى زينب من قبيلة أحمس أبي بكر الصديق رضي الله عنه فقالت: “مَا بَقَاؤُنَا عَلٰى هَذَا الأَمْرِ الصَّالِحِ الَّذِي جَاءَ اللّٰهُ بِهِ بَعْدَ الْجَاهِلِيَّةِ؟ قَالَ: بَقَاؤُكُمْ عَلَيْهِ مَا اسْتَقَامَتْ بِكُمْ أَئِمَّتُكُمْ. قَالَتْ: وَمَا الأَئِمَّةُ؟ قَالَ: أَمَا كَانَ لِقَوْمِكِ رُؤُوسٌ وَأَشْرَافٌ يَأْمُرُونَهُمْ فَيُطِيعُونَهُمْ؟! قَالَتْ: بَلَى. قَالَ: فَهُمْ أُولٰئِكَ عَلَى النَّاسِ”. [رواه البخاري].
لذا يجب على الوجهاء والزعماء أن تكون مواقفهم في مصلحة النظام الشرعي ولصلاح البلاد والعباد، وأن يقوموا بتنوير أذهان العامة في خطاباتهم، وكتاباتهم، وتحقيقاتهم، وتصريحاتهم، وتوصياتهم. وأن يكافحوا من أجل تحقيق الوحدة والاتفاق ومنع الفتن والفساد في المجتمع، فإن الناس يصغون لهم وأفكارهم مؤثرة في توجيه الناس، وهذه أكبر خدمة للدين.
يتم توجيه جميع مسؤولي وقضاة محاكم الإمارة الإسلامية بأنهم بالنظر إلى مسؤوليتهم العظيمة يجب أن يكون أكثر جدية في حل المنازعات وإيصال الحقوق إلى مستحقيها، وألا يميزوا في القضاء بين القوي والضعيف بل يعاملوا الجميع بالعدل والمساواة، وأن لا ينظروا في تنفيذ حدود الله إلى شخصية الجاني بل إلى نوعية الجريمة، عليهم أن يدافعوا عن المظلوم، ويمنعوا الظالم، وأن يسعوا في حل قضايا الناس دون عرقلة أو تأخير.
إن من أعظم أهداف الجهاد والتضحيات التي قدمها المجاهدون إنما كانت إقامة نظام شرعي وتنفيذ أحكام الشريعة في المجتمع، وتحقيق هذا الهدف السامي يتعلق بشكل كبير إلى فعاليات المحاكم وتقديم أفضل الخدمات.
كما يتوجب على وزارات الإرشاد والحج والأوقاف، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتعليم، والتعليم العالي أن تبذل جهود مضاعفة بالتنسيق مع العلماء وأهل النفوذ في سبيل الدعوة إلى الله، وإشاعة أعمال البر والخير، وتوجيه الناس نحو النظام الشرعي في إطار مسؤولياتهم، وأن تستخدم جميع قواها في الصدد.
يجب على الإخوة التجار والصناعيين أن يبذلوا مزيداً من الجهود من أجل إعمار الوطن، حتى يصبح وطننا مكتفياً ذاتياً ومتحرراً من الحاجة إلى الآخرين. إن كنا نرغب في الحفاظ على الاستقلال والحرية، والوقوف في وجه كل أنواع التهديدات، فإن هذه الأمور اليوم تعتمد كلها على الإمكانيات والاقتصاد. وإن تقوية الاقتصاد يرتكز أساساً على نمو التجارة والصناعة. فلنتعاون جميعاً في المساهمة ببناء وطننا والنهوض به.
كما يجب على الهيئات الاقتصادية التابعة للإمارة الإسلامية أن تقدم المزيد من الدعم للتجار والصناعيين، وتوفر لهم بيئة مناسبة، وتساعدهم على التقدم والتطور.
يجب على وزارة شؤون المهاجرين في الإمارة الإسلامية وسائر الجهات ذات الصلة، وكذلك جميع حكام الولايات، أن يقدموا خدمات جيدة للمهاجرين العائدين، وأن يعملوا على توطينهم، وأن يتعاونوا معهم في مجال التنقل إلى أوطانهم قدر المستطاع.
على جميع الموظفين الأمنيين والمدنيين في الإمارة الإسلامية أن يتنبهوا جيدًا وبجدية لأعمالهم ووظائفهم، وأن يتجنبوا التدخل في شؤون بعضهم البعض، لأن ذلك يؤدي إلى الفوضى، وانعدام الثقة، والاستياء.
وبما أن خدمة الناس عبادة، والله تعالى قد حمّلنا مسؤولية رعاية شؤون الناس، فهذا ابتلاء من الله، ويجب علينا أن نولي ذلك اهتمامًا بالغًا حتى لا يصدر منا تهاون في خدمة الناس؛ لأن الإهمال ليس عذرًا، بل يجب أن تكونوا يقظين، سهلوا أمور الناس، ولا تُشقوا عليهم، لعل الله أن يسهل عليكم.
لا تضيعوا أوقات الناس، ولا تغلقوا أبوابكم في وجوههم، بل التَقوا بهم من حين لآخر، واستمعوا إلى شكاواهم ومقترحاتهم، حتى لا يستولي أحد على حق أحد، ولا يلحق أحد الضرر بأحد، ويصل إلى كل ذي حق حقه.
إن النظام بمثابة الأب والراعي للناس، عليكم أن تعتنوا بهم كعناية الأب بأبنائه، حافظوا على حقوقهم، وراقبوا على ودائعهم وأماناتهم.
فعن أبي الشماخ الأزدي، عن ابن عم له من أصحاب النبي ﷺ، أنه أتی معاوية فدخل علیه، فقال: سمعت رسول ﷲ ﷺ يقول: “مَنْ وَلِيَ أَمْرًا مِنْ أَمْرِ النَّاسِ ثُمَّ أَغْلَقَ بَابَهُ دُونَ الْمِسْكِينِ وَالْمَظْلُومِ أَوْ ذِي الْحَاجَةِ، أَغْلَقَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى دُونَهُ أَبْوَابَ رَحْمَتِهِ عِنْدَ حَاجَتِهِ وَفَقْرِهِ أَفْقَرَ مَا يَكُونُ إِلَيْهَا” [ أخرجه أحمد].
أطيعوا أحكام وقرارات الأمير؛ لإن إطاعته واجبة، وعلى الجميع مراعاة ذلك والمضي قدماً في إطار الإطاعة.
فعن عمر رضي الله عنه قال: “إنه لا إسلام إلا بجماعة، ولا جماعة إلى بإمارة، ولا إمارة إلا بطاعة”. [رواه الدارمي].
ينبغي لطلاب المدارس الدينية، وطلبة الجامعات، وتلاميذ المدارس، أن يولوا اهتمامًا كبيرًا بدروسهم ومسؤولياتهم، وأن يوقروا ويحترموا العلم وأساتذتهم وكتبهم، وأن يقدروا الفرصة التي سنحت لهم ويستفيدوا منها أعظيم استفادة.
انتبهوا! لا تُضيّعوا أوقاتكم في الأمور التافهة، وابتعدوا بشدة عن كل ما يؤدي إلى إضاعة الوقت، وركّزوا على أهدافكم الأساسية.
قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾ [المؤمنون: 3].
وقال ﷺ: “من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه” [رواه الترمذي].
عليكم أن تسعوا لأن تكونوا من أهل العلم والكفاءة لخدمة الدين والشعب.
إن الأجيال القادمة ستكون بحاجة إلى علمكم وتجاربكم، لذا ينبغي أن تُعدّوا أنفسكم لتكونوا أشخاصًا أكفاء وذوي علم، عليكم أن تبذلوا جهدًا كبيرًا واهتمامًا بالغًا حتى تتكوّن منكم شخصيات علمية وكوادر متميزة، لتتمكنوا من خدمة الإسلام، والنظام الإسلامي، والشعب على أفضل وجه.
لقد سافر من أفغانستان هذا العام أيضاً ما يقارب ثلاثين ألف حاج إلى بيت الله الحرام لأداء فريضة الحج العظيمة. نرجو من هؤلاء الحجاج الكرام ومن جميع الحجاج القادمين من مختلف أنحاء العالم إلى الحرمين الشريفين، أن لا ينسونا وسائر الأمة الإسلامية من دعواتهم.
لا تزال الاعتداءات والحشية والمظالم مستمرة من قبل الصهاينة على النساء والأطفال والمسلمين المظلومين في غزة ومناطق أخرى من فلسطين، إنها جريمة إنسانية كبرى وظلمًا شديدًا. وإن الإمارة الإسلامية تعلن مرة أخرى دعمها للشعب الفلسطيني المظلوم، وتدين بشدة كل أشكال الظلم والعدوان على أهل فلسطين، وتطالب بوقفها الفوري.
وفي الختام، أهنئ مرة أخرى جميع المسلمين بعيد الأضحى المبارك. أسأل الله تعالى أن يتقبل عباداتكم، وأضحياتكم، وحجكم، وأن يديم عليكم السعادة والطمأنينة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أمير المؤمنين شيخ القرآن والحديث المولوي هبة الله آخندزاده
٧/١٢/١٤٤٦ هـ ق
١۴/٣/١٤٠٤ هـ ش
2025/6/4 م